طبقات وسطى

Publié le par hassan tariq

                                               طبقات   وسطى


اعادت الجلسة الاخيرة للمسائلة النيابية  لرئيس الحكومة،النقاش حول موقع الفئات الوسطى داخل السياسات الحكومية ببلادنا،الى واجهة الحوار العمومي .
من ناحية الاهتمام العلمي و الجامعي ،لايبدو ان إشكاليات تحول التشكيلات الطبقية و الاجتماعية ،لازالت تحضى  باهتمامات السوسيولوجيا المغربية و باقي العلوم الاجتماعية.كما ان الفقر المتنامي للجوانب الأيديولوجية و التنظيرية في العمل السياسي و الحزبي ،لم يعد يسمح بمتابعة الكثير من التحاليل الغنية  حول  بنيات المجتمع و الدولة،و التي طالما أغنت الأدبيات الحزبية منذ السبعينيات.
في المقابل فان الخطاب السياسي  للفاعلين ،كثيرا ما يهتم بموضوعة "الفئات الوسطى" كجهة لاستهداف السياسات و البرامج الحكومية ،و هنا فان خطاب العرش لعام 2008،يبقى محطة أساسية حيث تمت الدعوة الى اعتبار الفئات الوسطى هدفا استراتيجيا لكل السياسات العمومية.
لكن المؤكد كذلك ان الجوانب المفاهيمية لا تزال في حاجة للتدقيق،ذلك ان  دراسة سابقة للمندوبية السامية للتخطيط ،كانت قد اثارت من الأسئلة حول معنى "الفئات الوسطى"و مؤشرات الانتساب اليها و معايير تحديدها،اكثر مما قدمت من الأجوبة !،في حين ذهبت أطروحات بعض الباحثين الاجانب الى حد الحديث عن "نهاية الطبقة الوسطى".
تاريخيا،لقد شكلت هذه الفئات البنية التحتية و الوعاء الاجتماعي و الثقافي للحركة الوطنية، و بعد ذلك  بدا كما لو ان  ثمة تطابق  حتمي بين  مسار بناء الدولة الوطنية و مسلسل تبلور طبقة وسطى عصرية،لكن طبيعة الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية للدولة منذ الستينات و نوعية التحالفات "الطبقية"التي تبنتها النخبة الحاكمة،جعلت الاتجاه العام للتطور الاجتماعي لا يذهب بالضرورة في اتجاه تدعيم هذه الفئات الوسطى،اكثر من ذلك و منذ سياسات التقويم التي دخلتها البلاد منذ 1983،انطلق توجه انحداري مس جل مكوناتها،مما جعل صحافة اليسار آنذاك كثيرا ما تستعمل عبارة "بلترة الطبقات الوسطى"!
الواقع ان ماتعرضت له من ذلك الحين هذه الفئات لم يكن محض "حرب"اقتصادية و اجتماعية،بل تعلق الامر بإرادة واضحة للتدمير "المعنوي"و "الثقافي"و"القيمي"،تحالفت فيه السياسات الاقتصادية ،مع محاولة "ثار" معلن موجه ضد الفئات التي طالما اعتبرت قاعدة خلفية للقوى اليسارية و التقدمية،بكل أذرعها النقابية و الشبيبة و المدنية،كل ذلك وجد في التحولات القيمية و الاجتماعية التي عرفتها بلادنا منذ اكثر من جيل،الحاضن الطبيعي لهذه التراجع الاعتباري لوظيفة هذه الفئات الوسطى،تراجع تشهد عليه بكل كاريكاتورية فجة "الصورة"الذهنية التي اصبح المخيال الجمعي للمغاربة يتمثل من خلالها رجال التعليم بكل أصنافهم كدليل على الانقلاب الكبير لسلم القيم!!
ان مظاهر العزوف الانتخابي و "أزمة السياسة" و تراجع التأطير النقابي و "الانحراف الشعبوي"،تعود في جزء كبير من أسبابها  الى الأزمة العميقة للفئات الوسطى.
و في المقابل فان تحليل موجات "الربيع العربي"في بلادنا و في الخارج ،لايبدو معزولا عن الديناميات التي تعرفها هذه الفئات،التي يبدو انها رغم العجز الموضوعي الذي تعانيه على مستوى التمثيل السياسي،اصبحت تفضل "الاحتجاج"عن"الوساطة"،و اميل الى الاسلام السياسي من تيارات اليسار ،وهو ما سبق للباحث"جيل كيبل"ان فسره بما يسميه "اسلام الطبقات الوسطي"كرد فعل هوياتي عن نمط حياة مرتبك المرجعيات والقناعات.
في المغرب ،هنا و الان،فان واقع الفقر و الهشاشة لايجعل من استهداف الفئات الوسطى ،أولوية موضوعية،و الاكثر من ذلك فان الرهان على إصلاحات "سهلة"لاشكالية الدعم الاجتماعي ،عن طريق التحويل المباشر للفقراء،قد يجعل هذه الفئات ضحية جديدة،مما يهدد بعض المكتسبات التي حققتها عن طريق قدراتها على الحضور و التفاوض داخل المجال العمومي،و يبقيها خارج منطق أية صفقة سياسية/اجتماعية  ،مهيكلة مع النظام السياسي.

Publié dans article

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article