حكومة تراقب البرلمان

Publié le par hassan tariq

                                         الحكومة التي تريد مراقبة البرلمان




بغير كثير من الانتباه ،يمكن القول ان "الأغلبية السياسية" مفهوم طارئ على التاريخ القصير لما تسميه الصحافة في بلادنا- بقليل من المجاز- "تجربة ديمقراطية".
مرت سنوات عديدة ،لم تكن الحكومات محتاجة لدعم البرلمان ،ولنفس الأسباب لم تكن تتصرف كما لو انها مسائلة أمامه .لم يكن النظام السياسي يمنحها سوى هامش صغير للحركة.ضعف استقلاليتها في التشكيل و الاختصاصات عن السلطة الملكية ،كان يجعلها مجرد امتداد بنيوي و وظيفي لهذه الاخيرة،ورغم التنصيص الدستوري على ان الحكومة مسؤولة امام الملك و البرلمان فان الحكومة عمليا -قبل ١٩٩٢ - لم تكن عمليا مسؤولة سوى امام الملك  ،الذي كانت تخضع لسلطاته بشكل مطلق.
نعم عاش المغرب حياة نيابية متقطعة،وكثيرا ما تحول البرلمان الى بؤرة للصراع و الحيوية،و   عادة ما كان الوزراء يذهبون لجلسات الأسئلة و ربما يحدث ان يخضعون لتمرين ملتمس الرقابة القاسي،لكن الحكومات كانت تعرف انهالا تدين في حياتها و وجودها و استمرارها و صلاحياتها الا لجهة واحدة ،هي و هي فقط من تملك مفاتيح التعيين و العزل ،التنصيب والإعفاء ،الثقة و الإدانة ،العطف و الازدراء .
عمق و جوهر النظام السياسي ،كانا يجعلان من المؤسسة الملكية ،المصدر المطلق لشرعية الحكومات.لذلك لم تكن ثمة علاقة مؤكدة بين الإرادة الشعبية المعبر عنها -افتراضا-من طرف الانتخابات ،و بين تشكيل الحكومات و تعيين الوزراء.
حتى عندما اتجهت الادارة الى اختلاق ظاهرة الحزب الأغلبي ،لم  تتحول"الحكومات" الى كيانات سياسية و حزبية بامتدادات نيابية ،و ذلك بسبب اختيار التدبير التقنقراطي الذي كان قناعة مذهبية عند الملك الراحل.
كان لابد انتظار بداية التسعينات ،لكي تفتح كوة ضوء صغيرة في النظام السياسي المبني على قاعدة "اللامسؤولية المنظمة"،وذلك عن طريق المقتضى الدستوري-البسيط و العميق في ذات الان- الذي يجعل من الحكومة المعينة مطالبة بعرض تصريحها الحكومي على مجلس النواب قصد التصويت عليه ،طلبا للثقة. 
ثم كان لابد ان يدخل المغرب اجواء التحضير لحدث التناوب الاول ،لكي تعيش بلادنا اللحظة الاولى لانبثاق الأغلبية النيابية و السياسية ،والتي ستبرز زمنيا قبل ظهور الحكومة من خلال التصويت على رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي.
اليوم ،بعد زلازل الربيع العربي و هبة شباب فبراير ،نمتلك دستورا جديدا،دستور ينبني على فكرة المسؤولية السياسية،دستور يقوي الروح البرلمانية للنظام،دستور  يجعل البرلمان سلطة لتنصيب الحكومة،دستور يجعل -او يكاد يجعل -الحكومة مسؤولة اساسا امام مجلس النواب،دستور يريد ان يحول البرلمان الى مكان للسلطة  و مورد لشرعية الحكومة...
اليوم،ما معنى ان يتبرم الوزراء من انتقادات نواب الأغلبية؟ ،و ما معنى ان تصدر الحكومة بلاغا لتعبر عن قلقها من مداخلة نائبة من احزاب الأغلبية ؟من يراقب من ؟و من يسائل من؟هل نتوفر على حكومة الأغلبية ام اغلبية الحكومة؟
لا باس إذن، من مسائلة البداهة من حين  لآخر،ربما تعلق الامر بإحدى البركات" الغامضة"لحكومتنا العزيزة.

Publié dans article

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article